فيلم " وهلا لوين؟؟"
سؤال الراهن .. والمستقبل اللبناني
· علي خلفية صوت الراوي الذي يحكي عن ناس ضاعو بين حربين، تقدم المخرجه " نادين لبكي" اولى لقطات فيلمها الثاني " وهلأ لوين؟؟" بعد ان انجزت فيلمها الاول " سكر بنات" الذي قدمها كمخرجه لها حضورها ورؤيتها السينمائية، وهي القادمة من عالم " الفيديو الكليب".
· تفتح الكاميرا في لقطةٍ عامهٍ على قرية منسية، وشوارع مهجورة، ونساء يتّشحن بالسواد،مسلمات ومسيحيات، يحملن صور الأزواج والأبناء (ضحايا آخر حرب) على المقتربين المتجاورين، كما هو التجاور بين المسجد والكنيسة.
· لحظة دخول الكاميرا يأخذنا الفيلم الى تلك الضيعة، التي دفعت ثمن الحرب الطائفية سواءً من ماتوا،أو من مازال موجوداً منهم يحمل عاهته، ولكن اكبر شاهد في الحرب هو هذه العزلة التي فرضها اهل الضيعة على انفسهم، فابتعدوا تماماً عن أي تماس مع الخارج ،يعيشوا حياتهم رغم صعوبتها، وقلة الموارد الا أنهم فرضوا نمطاً جديداً في تعاملهم وقبولهم بعضهم البعض.
· وبالتالي فإن " نادين لبكي" تؤسس لبيئة ملائمة لاحداث و شخصيات الفيلم والتطورات، والتي ستستجد لاحقاً. فالضيعة ساكنه من آخر حرب طائفية شهدتها وهذا الهدوء اكتسبته بالعزلة عن بقية ما يدور في لبنان، وهذه العزلة ابرزت الوجه الحقيقي للانسان اللبناني، حيث هذه المودة والطيبة في تعاملهم مع بعضهم البعض ، ومعرفتهم بتفاصيل حياتهم يعيشون ببساطة وعفوية، وتعاون الى ابعد الحدود، وذلك ما يعّوض واقع فقرهم، ويجدون في عزلتهم ملاذاً لهم، يبعدهم عن الاشتباك الطائفي الذي يحدث بصور متعدده في بقية المناطق، وذلك الى الدرجة التي يمنعون فيها دخول الصحف الى الضيعة وذلك لأن عناوين الفتنة الطائفية دائماً تتصدر هذه الصحف وهم يريدون ان يضعوا مسافة بين اهل الضيعة وبين ما يدور في الخارج وإن صلتهم بالخارج هي فقط من خلال " روكز ونسيم " الذان يخرجان مبكراً على دراجة نارية، يأخذان ما يتم صناعته بالبلدة من منتجاتها الطبيعية ،ويعودان ومعهما بعض الحاجيات الاساسية .
· ترسم المخرجة هذه الصورة للضيعة التي تتفاوت مابين البهجة والكآبة، وهذه الشخصيات المسورة بحزام من الألغام . هي مثالية تماماً لتجريب أساليب تمتزج فيها مكونات الضيعة، والسلوكيات المحتملة لأهلها. فهذا السكون الذي عاشوه منذ سنوات يمكن لحدث بسيط
· أن يخدشه، وأن يُعيد ترتيب علاقات الناس ببعضها البعض وإن يتغير الشكل تماماً .
· فالمختار " خليل بو خليل" يريد أن يحرك حياة أهل الضيعة بشراء " دش فضائي " الأمر الذي يحتاج الى مشاركة جهود الكثيرين لضبط البث بسبب جغرافية المنطقة، وعند تثبيت البث فإن رجال القرية يقفو تحت صدمة ما تبثه المحطات الإباحية وبين ما يتم متابعته وبثه عن الحرب الأهلية في لبنان.
· إذن بمجرد فك حياة العزلة عن الضيعة فإن الحياة تتغير وتتصاعد بشكل مفاجئ الى احتكاكات، وحوارات حادة، واتهامات، وصدامات. ومن هنا تبدأ المخرجة بالبناء على حالة من الهشاشة التي يعيشها مجتمع يحركه خبر قادم من الخارج، ويتناسى عقود من العيش الأهلي والسلمي. وهذه البيئة تستعرض بها مستويات متعددة واحداث متداخلة وتنقل حياة فيها من الشاعرية والتشويق والطرافة والكوميديا والتراجيديا، مع وجود مزيج مابين ممثلين هواه ومحترفين .
· ووسط هذه الأجواء تبرز قصة حب رومانسية ما بين آمال (المسيحية) صاحبة المقهى، وبين ربيع (المسلم) الذي يعمل على ترميم المقهى. وهي قصة رغم رومانسيتها وتقبل وجودها في البداية بحكم طبيعة العلاقات في الضيعة، إلا أنها لاحقاً تضيع وسط تحول العلاقات وتبدل الأولويات في الضيعة.
· وكأن العلاقة تقف على الحافة، ورغم سنوات التعايش بين الطائفتين والعزلة الإختيارية والعشرية لأهل الضيعة. إلا أن خبراً واحداً من أحداث فتنة طائفية في مكان آخر أعاد ترتيب خارطة الضيعة. ومن هذه النقطة فالفيلم يريد أن يشير الى هشاشة العلاقة، وأنها قنبلة موقوته يمكن أن تنفجر في أي لحظة، إضافة الى دور الإعلام في التعاطي مع هذه الحالة التي أصبحت أقرب الى التجييش والتحريض، لأن كل فريق له منبره الذي يعبر من خلاله عن موقفه.
· خبر عابر، يمكن أن ينهار أمامه كل شئ، حيث الاشتباك بالأيدي وتبادل الإتهامات واصطفافات جديده .الأمر الي يدفع قسيس الكنيسة "سمير عواد" لمطالبة المسيحيين بعدم التأثر بما يجري خارج الضيعة ، فيما يؤكد شيخ المسجد على أن هذا العبث الذي أصاب المسجد ليس من المسيحيين، وإنما هناك من يتربص بالسلم الأهلي للجميع. وأن الأحداث الأخيرة من كسر للصليب وتخريب للمسجد والتماثيل الدينية ليس لأهل الضيعة دور فيها وإنما هي بمثابة دفع الجميع الى هاوية الفتنة الطائفية .
· على هذه الخلفية ، تعطي المخرجه دوراً للمرأه،وذلك لادراكها بأن المرأة هي الضحية الاولى لأي فتنة وانها هي التي تتحمل آلام فقدان الابن والاخ والزوج، وانها في الواقع مثل حال هذه الضيعه، اذا كان يستطيع الرجل ان يوسع دائرة خروجه منها، فإن المرأة تبقى محكومة بدائرة ضيقة لاتتجاوز حدود الضيعه، وبالتالي فهي تدرك معنى البقاء والاستمرار بمشاركة الطائفة الاخرى وان عليها تقبل ما هو مشترك، وتبني عليه، وان تتعايش على ماهو مختلف، وتتقبل وجوده، ولذلك نجد ان نساء الضيعه يقمن بمبادرات متعدده من شأنها ان تكسر حدة التوتر بين رجال القرية، ولعل وصول باص الى الضيعه، واصابته بالعطل واضطرار ركابه من راقصات اوكرانيات الى المبيت والبقاء في الضيعه كان احد حلول نساء الضيعه، عندما تم الاتفاق على توزيع الاوكرانيات على بيوت الضيعه، والهاء الرجال بهنّ، ووسط هذه الاجواء يموت " نسيم برصاصه طائشه، وتتكتم والدته"تكلا" تماما على الخبر وبمساعدة صديقتها تغسل الجثه، وتخبئها في بئر قريب للضيعه، وعندما يسألها احد عنه، تخبرهم بإنه مريض وممنوع الاقتراب منه ولكن ابنها الثاني " عصام" يعرف بأن اخيه قد قتل، فيبحث عن البندقية وتسبقه امه لها وتطلق النار على قدمه وذلك حتى لايستطيع التحرش بالمسلمين، وبالتالي اشعال الفتنه الطائفية.
· وبعد إنتشار خبر موت "نسيم" فإن الشيخ والقسيس يقرران دعوة الجميع إلى لقاء عام في مقهى "آمال"، وهنا تجد نساء الضيعة في هذا الإجتماع فرصة لإقامة عرض للراقصات الأوكرانيات، وفوق ذلك تقديم معجنات محشوه بالحشيش وذلك حتى ينسى الرجال موضوع الحرب. وفي أثناء العرض تقوم كل من "آمال" و"عفاف" بفتح حفرة مخبأ فيها السلاح ونقله الى حفرة اخرى لا يعرفها احد. في الوقت الذي يكون فيه رجال الضيعة واقعين تحت تاثير فتنة الاوكرانيات ، وهلوسة الحشيش.
· ويستمر الفيلم باجتراح حلول خوفاً وهرباً من الفتنة الطائفية لتصحو الضيعة على وضع جديد تماماً، حيث زوجة المختار أصبحت مسلمة و"أم أحمد" خلعت حجابها وتنصرت وأصبح اسمها "جورجيت" و"أم نسيم" اسلمت. ويذهب الجميع لإخراج "نسيم" من البئر ويحملون النعش حيث يمشي الجميع دون تمييز بين من كان مسلماً أو مسيحياً سابقاً او لاحقاً وبينما الجنازة تسير وسط المقبرتين الإسلامية والمسيحية يحتارون أين يدفنوه، وينتهي الفيلم على صوت نفس الراوي وهم يرددون جميعاً "الى اين" ؟.
· صورة مربكة يرسمها الفيلم فهذه القرية التي يفترض أنها آمنة. إلا أنها معرضة بأي لحظة لعودة الفتنة، والإقتتال اليها، ومزيدا من الضحايا، لمجرد أن يذاع خبرعن فتنة طائفية. فالفتنة متحفرة بقوة، وأن هذه العزلة الطويلة لم تساعد على إبعاد شبح الحرب مرة اخرى .
· وبالتوازي مع هذه الضيعة. هناك الرجال الجاهزون للعودة الى ماضيهم وحمل السلاح والإقتتال، وتبدو هناك المرأة التي تحاول التأجيل، وأن تضع مزيداً من المصدات أمام ريح الطائفية حتى لو كان على حساب المرأة ذاتها.رغم أن الرجل والمرأة في الضيعة (أو في الوطن) ذاقوا ويلات الحرب، ومازالت آثارها باقية سواء في المقابر، أو الأرامل، أو اليتامى، أو المعاقين في البلدة .
· ولكن هل ما تقوم به المرأة في الفيلم كافٍ لوقف الكراهية والعودة للفتنة والحرب؟ .. وهل كل هذه الحلول التي تقوم بها المرأة قادرة على اكثر من "تخدير" الوضع مؤقتاً ليبقى قابلاً للإنفجار مرةً أخرى ؟. فالمخرجة تضع "رجولة" شباب الضيعة كمعادلة للعودة الى حمل السلاح وهي نظرة فيها من القسوة اكثر مما قامت به في فيلمها الأول "سكر بنات" عندما قامت بإلغاء الرجل من حياة نساء الفيلم، وأنها هنا تقوم بإقصائه وتجعل من رجولته " لعبة الحرب " شيئاً ليس ذو قيمه. وهي لا تجد حرجاً في إفراغ طاقته من خلال الراقصات، وتغيبه بالحشيش، كل ذلك من أجل كسب مزيداً من الوقت وإبعاد شبح الحرب .
· ورغم ما يعتقده البعض من جرأه في الفيلم الا ان ذلك يتوارى خلف قصة الحب بين آمال المسيحية وربيع المسلم ، هذه القصة التي لا ترى النور الافي زوايا ضيقية وبعده عن الناس ، او انها تأتي على شكل حلم او هلوسة داخل كل واحد منهما،وكأن المخرجة مؤمنة تماماً بأن مكونات المجتمع اللبناني ما تزال تحمل صفات الزيت والماء وبالتالي هناك فرز وانقسام.
· فيلم " وهلا لوين " الخائف من ذاك الواقف خلف تخوم الضيعه ومن ذاك المتمرس في اعماق الرجال من شهوة الحرب ، و اوالئك النسوة اللواتي هن ضحايا العنف واللواتي يعملن على ابعاد شبح الحرب ، بالحيلة والتلاعب بالمعلومة وفي نفس الوقت هناك شيخ وقسيس كل منها يدعو للمحبة ، وضيعة مزنزة بالالغام ، وتعيش حياتها بالحد الادنى من الامكانات.
· هذه البيئة التي تدور بها احداث وشخصيات الفيلم ، اعطت ابعاداً جمالية مدهشة سواء للشخصيات او للمكان حيث هناك حياة فيها حيوية وكوميديا رومانسية وعلاقات انسانية جميلة وفيها شحنة عالية من الفجائعية ايضاَ.
· وقامت المخرجة بتوظيف المكان سواءً كبيئة للأحداث أو كشخصيات.الى جانب ادارة الممثلين الذين جزء كبير منهم يمثلون لأول مرة ،لتتحرك الكاميرا في لقطات عامة وقريبة ترصد الانفعالات الخاصة والحالة العامة للقرية . وهذه الصورة البصرية تأتي على خلفيتها موسيقى وأغاني منسجمة مع الإيقاع العام، ودفع الفكرة الأساسية للفيلم والنكهة الكوميدية التي تغطي أجزاء كبيرة من الأحداث ضمن سيناريو مشغول بعناية دون مبالغة ، وإنما ببساطة وعمق وتناغم مع طبيعة الشخصيات .
فيلم "هلأ لوين"؟ .. فيلم كان يعرف النهاية من البداية، وأن الطريق غير واضح، وهو تساؤل جارح عن مستقبل غير واضح لأسباب أسس أهل البلد انفسهم لها، وزجو أنفسهم في هذه الزاوية ، حتى يبقى السؤال معلقاً .. لوين ؟؟.
الفيلم من إخراج "نادين لبكي" وبطولة "نادين لبكي" و"خليل بوخليل" و"ايفون معلوف" و" انجو ريحان" و" جوليان فرح" و" سمير عوض" وغيرهم ..
2015-05-25, 10:55 pm من طرف سلطان
» نهفات
2015-05-09, 7:05 pm من طرف سلطان
» أعظم جنود الله
2015-05-09, 6:58 pm من طرف سلطان
» حياتك الدنيا ..هي هكذا
2015-05-09, 6:47 pm من طرف سلطان
» الوردة والفراشة
2015-05-09, 6:37 pm من طرف سلطان
» وفوق كل ذي علم عليم
2015-04-26, 10:19 pm من طرف سلطان
» عشاق الليل
2015-04-26, 9:58 pm من طرف سلطان
» عبد الرحمن الداخل وتاسيس الدولة الحديثة
2015-04-20, 11:02 pm من طرف سلطان
» اشتاقكم
2015-04-19, 9:47 pm من طرف سلطان
» التين ..... الفاكهة الكنز
2015-04-19, 9:33 pm من طرف سلطان