.
2012/04/24
العرب اليوم - رسمي محاسنة
من خلال متابعة السينما المغربية المعاصرة, نجد ان الموروث باشكاله المختلفة لا يزال موضوعا اثيرا لدى السينمائيين, يعودون اليه بشكله الواقعي او الاسطوري, او ما تمتزج بينهما نتيجة القص الشفوي, ويعيدون انتاج مرحلة من تاريخ المغرب, وشخوصا ووقائع, يسلطون عليها الضوء, لغايات متباينة, تتراوح مابين حقن ذاكرة الاجيال الجديدة بتاريخ بلدهم, وتوثيقها سينمائيا, اوما تحمله من دلالات واسقاطات, قد تجد لها معادلا فيما هو معاصر, كما ان هذا الموروث والمتناقل شفاهة يحمل مادة فيها غواية كبيرة للسينمائيين بخلق معادل صوري لما هو مروي ومتداول بين الناس.
ضمن ليالي السينما المغربية في عمان, عرض فيلمخربوشة للمخرجحميد الزوغي عن سيناريوخالد وعبدالباسط الخضري, وهو يستحضر شخصيةحادة الزيدي التي عاشت في اواخر القرن التاسع عشر, واشتهرت كشاعرة, وزجالة ومغنية, واهميتها تكمن في المرحلة التي عاشتها, والظروف التي احاطت بها, ومواجهاتها مع القائدعيسى بن عمراحد اكثر الشخصيات قوة وجبروتا وظلما في ذلك الوقت, وهما شخصيتان مثل المرايا لبعضهما بعضا, نرى ظلال كل شخصية من خلال الاخرى, وفي الوقت نفسه استحضار مرحلة زمنية برجالاتها وظروفها وطقوسها.
يصيب مرض نادر حيوانات قبيلة القائد, وامام جفاف مصادر رزقه وقوته يغير على قبيلة اخرى, مستمدا قوته من قربه منالمخزن الدولة, وحاجته وشكيمة رجاله, ويكون الضحية هو قبيلةخربوشة التي يتم التنكيل بعائلتها, واخذها اسيرة لدى قبيلة القائد, الذي يسمع عنها, ويتسابق هو وابنه على خطب ودها, واستمالتها, لكنحادة الزيدي فتاة صاحبة قضية, وعاشقة اعطت وعدا لحبيبها احد فرسان قبيلتها, لذلك فانها في كل مره تعمل على تجريح شخصية القائد وقبيلته, والحط من قدره باشعارها, وغنائها, ليكون نصيبها الحبس, والجوع, الى ان تتمكن من الهرب الى زعيم قبيلة اخرى, التي يضطر تحت تهديد وترغيب القائد الى السماح لها بمغادرة قبيلته, والاتجاه الى مراكش, لكن تقع خيانة على الطريق, وتقع اسيرة لدى جنود قبيلةالقائد.
يعود القائدعيسى بن عمر مرة اخرى لملاطفتها, واستمالتها, وان تكون له زوجة, ويبقى يضغط عليها, ويرسلها الى النساء لتجهيزها, فيما هو يدعو رجالات القبيلة, والقبائل الاخرى لحضور حفل زفافه, حيث يولم وليمة كبرى, ويوصي لها بان تخرج الى المدعوين وان تقوم بالغناء, وهنا يحاول الفيلم ان يعيد النظر في مفهوم المغنيةالشيخة, ويعيد الاعتبار لها, وتصحيح مفهوم مغلوط درج المغاربة على الاعتقاد به, فتتساءلخربوشه هل يريدني ان اغني على اعتبار اني زوجته ام على اعتبار انيالشيخة?? وهو سؤال يأتي في سياق اعادة الاعتبار للغناء النسائي, وتصحيح مفهوم متداول.
في هذه الاثناء تكون قبيلةخربوشةقد استعادت انفاسها, وجهزت الشباب والعتاد للانتقام من القائد ووصل فرسان القبيلة الى مرحلة من النضج بحيث يكونون واثقين من الانتصار. وفي الوقت الذي تقف فيه العروسخربوشة للغناء امام الزوج الذي ينتظر, وامام المدعوين, فانها ترتجل شعرا فيه قدح وذم له ولسلوكه وقبيلته, وموقعه, فيستشيط غضبا ويأمر بان يتم بناء جدار لها, ودفنها وهي حية.
يترك المخرج نهاية مفتوحة للفيلم قابلة للتأويل, لكن بعد ان تكون خربوشة قد قامت بفعل تحريضي, وتوعوي, وتحريك الساكن, والتجرؤ على موقع سلطوي كان قبلها محرما على اي احد مجرد التفكير بالاقتراب منه. فبعد ارتجالها للشعر في حضرة المدعوين, فان جزءا منهم يقوم بترديد ازجالها, في دلالة على ان الانتقام والتغيير ليس مجرد مسألة شخصية تخصخربوشة وقبيلتها, انما مسألة تفتح على ابعاد اوسع واشمل, كما انها كانت احد عناصر نهوض قبيلتها, وباعثة للامل في نفوسهم, واستثارة هممهم لاسترداد حقهم بالانتقام من السلطة الظالمة.
والفيلم ليس عن سيرة ذاتية لزجالة ومغنية, انما هو استحضار مرحلة من تاريخ المغرب, لعل اهم ما فيها, هو ذلك الوعي عند المرأة المتمثل بشخصيةخربوشة الفتاة العادية التي حملت الوعي والجرأة وارادة التغيير, والثبات, والمواجهة, وانتزاع مكانة متقدمة للمرأة, تكون فيها حاضرة بالفعل الاجتماعي والسياسي والمشهد العام.
واعتمد المخرج على الحوارات الطويلة, ذلك ان الحكاية ذاتها تعتمد الرواية والقص, والتاريخ الشفوي, وبالتالي فان هناك انسجاما مع توالي الاحداث وبناء الشخصيات وتقدمها دراميا الى الامام. وذلك وسط بيئة تحمل ملامح المرحلة وشخصياتها وظروف معيشتها, وادواتها, وازيائها واكسسواراتها, نقلتها كاميرا ذكية اعطت احساسا بالمكان كواحد من عناصر الفيلم الاساسية. طبعا الى جانب الموسيقى التي كانت حاضرة بالفيلم, خاصة وان جزءا من شخصية خربوشة يعتمد الموسيقى والغناء, هذه الموسيقى التي تكررت في تيمات تبدو متجانسة, لكن لها دلالاتها في بناء الفيلم.
وفي الاداء فان الممثلعباس كميل بدور القائد الذي جسد شخصية تعتمد الغاء واقصاء كل ما حولها, وبمقدار ابداعه كممثل في تجسيد شخصية القائد, فانه كان كذلك وهو في لحظات اعتذار وانكسار وتودد امام خربوشة, وكذلك الممثلةهدى صدقي بدورخربوشة التي اجتهدت باداء شخصية تعيش خارج زمنها, وتدق على ابواب التغيير بقوة.
Rasmii_10@yahoo.com
ليالي السينما المغربية في عمان
فيلم خربوشة .. امرأة وحيدة في وجه السلطة
2012/04/24
العرب اليوم - رسمي محاسنة
من خلال متابعة السينما المغربية المعاصرة, نجد ان الموروث باشكاله المختلفة لا يزال موضوعا اثيرا لدى السينمائيين, يعودون اليه بشكله الواقعي او الاسطوري, او ما تمتزج بينهما نتيجة القص الشفوي, ويعيدون انتاج مرحلة من تاريخ المغرب, وشخوصا ووقائع, يسلطون عليها الضوء, لغايات متباينة, تتراوح مابين حقن ذاكرة الاجيال الجديدة بتاريخ بلدهم, وتوثيقها سينمائيا, اوما تحمله من دلالات واسقاطات, قد تجد لها معادلا فيما هو معاصر, كما ان هذا الموروث والمتناقل شفاهة يحمل مادة فيها غواية كبيرة للسينمائيين بخلق معادل صوري لما هو مروي ومتداول بين الناس.
ضمن ليالي السينما المغربية في عمان, عرض فيلمخربوشة للمخرجحميد الزوغي عن سيناريوخالد وعبدالباسط الخضري, وهو يستحضر شخصيةحادة الزيدي التي عاشت في اواخر القرن التاسع عشر, واشتهرت كشاعرة, وزجالة ومغنية, واهميتها تكمن في المرحلة التي عاشتها, والظروف التي احاطت بها, ومواجهاتها مع القائدعيسى بن عمراحد اكثر الشخصيات قوة وجبروتا وظلما في ذلك الوقت, وهما شخصيتان مثل المرايا لبعضهما بعضا, نرى ظلال كل شخصية من خلال الاخرى, وفي الوقت نفسه استحضار مرحلة زمنية برجالاتها وظروفها وطقوسها.
يصيب مرض نادر حيوانات قبيلة القائد, وامام جفاف مصادر رزقه وقوته يغير على قبيلة اخرى, مستمدا قوته من قربه منالمخزن الدولة, وحاجته وشكيمة رجاله, ويكون الضحية هو قبيلةخربوشة التي يتم التنكيل بعائلتها, واخذها اسيرة لدى قبيلة القائد, الذي يسمع عنها, ويتسابق هو وابنه على خطب ودها, واستمالتها, لكنحادة الزيدي فتاة صاحبة قضية, وعاشقة اعطت وعدا لحبيبها احد فرسان قبيلتها, لذلك فانها في كل مره تعمل على تجريح شخصية القائد وقبيلته, والحط من قدره باشعارها, وغنائها, ليكون نصيبها الحبس, والجوع, الى ان تتمكن من الهرب الى زعيم قبيلة اخرى, التي يضطر تحت تهديد وترغيب القائد الى السماح لها بمغادرة قبيلته, والاتجاه الى مراكش, لكن تقع خيانة على الطريق, وتقع اسيرة لدى جنود قبيلةالقائد.
يعود القائدعيسى بن عمر مرة اخرى لملاطفتها, واستمالتها, وان تكون له زوجة, ويبقى يضغط عليها, ويرسلها الى النساء لتجهيزها, فيما هو يدعو رجالات القبيلة, والقبائل الاخرى لحضور حفل زفافه, حيث يولم وليمة كبرى, ويوصي لها بان تخرج الى المدعوين وان تقوم بالغناء, وهنا يحاول الفيلم ان يعيد النظر في مفهوم المغنيةالشيخة, ويعيد الاعتبار لها, وتصحيح مفهوم مغلوط درج المغاربة على الاعتقاد به, فتتساءلخربوشه هل يريدني ان اغني على اعتبار اني زوجته ام على اعتبار انيالشيخة?? وهو سؤال يأتي في سياق اعادة الاعتبار للغناء النسائي, وتصحيح مفهوم متداول.
في هذه الاثناء تكون قبيلةخربوشةقد استعادت انفاسها, وجهزت الشباب والعتاد للانتقام من القائد ووصل فرسان القبيلة الى مرحلة من النضج بحيث يكونون واثقين من الانتصار. وفي الوقت الذي تقف فيه العروسخربوشة للغناء امام الزوج الذي ينتظر, وامام المدعوين, فانها ترتجل شعرا فيه قدح وذم له ولسلوكه وقبيلته, وموقعه, فيستشيط غضبا ويأمر بان يتم بناء جدار لها, ودفنها وهي حية.
يترك المخرج نهاية مفتوحة للفيلم قابلة للتأويل, لكن بعد ان تكون خربوشة قد قامت بفعل تحريضي, وتوعوي, وتحريك الساكن, والتجرؤ على موقع سلطوي كان قبلها محرما على اي احد مجرد التفكير بالاقتراب منه. فبعد ارتجالها للشعر في حضرة المدعوين, فان جزءا منهم يقوم بترديد ازجالها, في دلالة على ان الانتقام والتغيير ليس مجرد مسألة شخصية تخصخربوشة وقبيلتها, انما مسألة تفتح على ابعاد اوسع واشمل, كما انها كانت احد عناصر نهوض قبيلتها, وباعثة للامل في نفوسهم, واستثارة هممهم لاسترداد حقهم بالانتقام من السلطة الظالمة.
والفيلم ليس عن سيرة ذاتية لزجالة ومغنية, انما هو استحضار مرحلة من تاريخ المغرب, لعل اهم ما فيها, هو ذلك الوعي عند المرأة المتمثل بشخصيةخربوشة الفتاة العادية التي حملت الوعي والجرأة وارادة التغيير, والثبات, والمواجهة, وانتزاع مكانة متقدمة للمرأة, تكون فيها حاضرة بالفعل الاجتماعي والسياسي والمشهد العام.
واعتمد المخرج على الحوارات الطويلة, ذلك ان الحكاية ذاتها تعتمد الرواية والقص, والتاريخ الشفوي, وبالتالي فان هناك انسجاما مع توالي الاحداث وبناء الشخصيات وتقدمها دراميا الى الامام. وذلك وسط بيئة تحمل ملامح المرحلة وشخصياتها وظروف معيشتها, وادواتها, وازيائها واكسسواراتها, نقلتها كاميرا ذكية اعطت احساسا بالمكان كواحد من عناصر الفيلم الاساسية. طبعا الى جانب الموسيقى التي كانت حاضرة بالفيلم, خاصة وان جزءا من شخصية خربوشة يعتمد الموسيقى والغناء, هذه الموسيقى التي تكررت في تيمات تبدو متجانسة, لكن لها دلالاتها في بناء الفيلم.
وفي الاداء فان الممثلعباس كميل بدور القائد الذي جسد شخصية تعتمد الغاء واقصاء كل ما حولها, وبمقدار ابداعه كممثل في تجسيد شخصية القائد, فانه كان كذلك وهو في لحظات اعتذار وانكسار وتودد امام خربوشة, وكذلك الممثلةهدى صدقي بدورخربوشة التي اجتهدت باداء شخصية تعيش خارج زمنها, وتدق على ابواب التغيير بقوة.
Rasmii_10@yahoo.com
2015-05-25, 10:55 pm من طرف سلطان
» نهفات
2015-05-09, 7:05 pm من طرف سلطان
» أعظم جنود الله
2015-05-09, 6:58 pm من طرف سلطان
» حياتك الدنيا ..هي هكذا
2015-05-09, 6:47 pm من طرف سلطان
» الوردة والفراشة
2015-05-09, 6:37 pm من طرف سلطان
» وفوق كل ذي علم عليم
2015-04-26, 10:19 pm من طرف سلطان
» عشاق الليل
2015-04-26, 9:58 pm من طرف سلطان
» عبد الرحمن الداخل وتاسيس الدولة الحديثة
2015-04-20, 11:02 pm من طرف سلطان
» اشتاقكم
2015-04-19, 9:47 pm من طرف سلطان
» التين ..... الفاكهة الكنز
2015-04-19, 9:33 pm من طرف سلطان